اخر الاخبار

الأحد، 23 فبراير 2025

الفردانية تحولنا إلى عبيد

 



في عالم يزداد ترابطًا من الناحية التكنولوجية، يبدو أننا نبتعد أكثر فأكثر عن بعضنا البعض على المستوى الإنساني والاجتماعي، النزعة الفردية التي نعيشها اليوم أصبحت ظاهرة تهدد كيان المجتمع، فقد أصبح كل فرد يفكر في نفسه فقط، في قضاء أغراضه الشخصية، دون الاكتراث بالجماعة أو بالعمل الجماعي، هذه الفرداني المفرطة ليست مجرد تطور طبيعي للحياة العصرية، بل هي أداة خطيرة تُستخدم لتمزيق النسيج الاجتماعي، وتسهيل سيطرة الأوليغارشية العولمية والبرجوازية المتعفنة على مقدرات الشعوب.


في بداياتها، كانت الفردانية تعني الحرية، تعني حق الفرد في التعبير عن ذاته، في تحقيق أحلامه، في العيش بحسب قناعاته، لكن اليوم، تحولت هذه الفردانية إلى عزلة مفرطة، صرنا مجتمعات من الأفراد المنعزلين، كلٌ منهم يسعى وراء مصلحته الخاصة، دون أي اعتبار للمصلحة العامة، لم نعد نفكر فيما هو جماعي، لم نعد نرى أنفسنا جزءً من مجتمع كبير، بل صرنا نرى أنفسنا ككيان منفصل، وكأننا جزر منعزلة في محيط واسع.


هذه العزلة ليست بريئة، بل هي نتاج مخطط مدروس، الأوليغارشية العولمية، تلك الطبقة التي تسيطر على الاقتصاد والسلطة والإعلام والسياسة، تعمل على تعزيز هذه الفردانية وتدفعها لأبعد حدودها لتحقيق أهدافها، حين يكون كل فرد منشغلًا بنفسه، مشغولًا بقضاء حاجاته اليومية، غير قادر على التفكير في هموم المجتمع ولا العيش المشترك، يصبح من السهل تمرير القوانين والسياسات التي تكبل حريته، وتجعله مجرد ترس في آلة الإنتاج الضخمة.



في ظل هذه الفردانية المفرطة، تحول المواطنون من بشر يتمتعون بالكرامة والإرادة الحرة، إلى مجرد مسوخ تشتغل من أجل أن تأكل وتشرب فقط، لم يعد العمل وسيلة لتحقيق الذات أو المساهمة في بناء المجتمع، بل أصبح مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة، فالكرامة الإنسانية، التي كانت تُعتبر قيمة عليا، صارت ترفًا لا يستطيع الجميع تحمل تكاليفه.


البرجوازية المتعفنة، تلك الطبقة التي أريد لها أن تساهم في خلق الثروة وإعادة توزيعها، لكنها أصبحت تعيش على الريع واستغلال العمال والطبقات الكادحة، تعمل على تعميق هذه الهوة، فهي تريد مواطنين ضعفاء، منشغلين بصراعاتهم اليومية، غير قادرين على التنظيم أو التفكير في التغيير، حين يكون الفرد منشغلًا بتأمين لقمة عيشه، لن يكون لديه الوقت أو الطاقة للتفكير في حقوقه، في كرامته، في مستقبله، التفكير فيما هو أكبر.



لكن كل هذا لا يعني أننا عاجزون عن التغيير. الحل يكمن في العودة إلى الجماعية، إلى فكرة أننا جزء من كل، وأن مصلحة الفرد لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقيق المصلحة العامة، علينا أن نتعلم من جديد كيف نتعاون، كيف نتفق، كيف نفكر فيما هو أكبر من أنفسنا، كيف نفكر فيما يهم مستقبل مجتمعنا ككل.


علينا أن نعيد بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل الفردانية المفرطة، وهذا لا يعني التخلي عن حقوق الفرد أو حرياته في إطار قيم الجماعة طبعا، بل يعني تحقيق التوازن بين الفردي والجماعي، حين نتعلم كيف نعمل معًا، كيف ندافع عن بعضنا البعض، كيف نكون يدا واحدة، سنكون قادرين على مواجهة تلك القوى التي تسعى لاستغلالنا وتكبيلنا.


خلاصة القول أن الفردانية ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية يمكن تغييرها، إذا أردنا أن ننقذ مجتمعنا من الانهيار، علينا أن نعيد النظر في قيمنا الجماعية، في أولوياتنا، في طريقة تفكيرنا، علينا أن نتعلم كيف نكون أفرادًا أحرارًا، ولكن في إطار مجتمعي يعترف بالكرامة الإنسانية، ويعمل من أجل الصالح العام.


فهل نستطيع أن نغير مسارنا قبل فوات الأوان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

Adbox