تعتبر كرة القدم من أشهر وأكثر الرياضات شعبية في العالم، وتحظى بمتابعة واهتمام كبيرين من قبل ملايين الناس في مختلف البلدان والثقافات.
ولكن ما هي المعاني والدوافع التي تدفع الناس إلى مشاهدة وتشجيع كرة القدم، خاصة في الدول المتخلفة التي تعاني من الفقر والهشاشة والبؤس والبطالة؟ وكيف يؤثر هذا التشجيع على هويتهم وانتمائهم وسلوكهم الاجتماعي؟
يمكن تحليل هذه الظاهرة من منظور سوسيولوجي، باعتبار كرة القدم فعلا اجتماعيا ينطوي على تفاعلات ورمزيات وممارسات تعكس وتنتج معاني وقيم ومواقف ومشاعر للمشاركين فيه. ويمكن تمييز بين نوعين رئيسيين من المشجعين في الدول المتخلفة: المشجعون الهاربون والمشجعون المتمثلون.
المشجعون الهاربون هم الذين يستخدمون كرة القدم كوسيلة للهروب من واقعهم المرير والمحبط، وللتخفيف من ضغوط الحياة والمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يواجهونها من فقر وحاجة وهشاشة، والتعلق بأحلام وأوهام وربما العيش في واقع آخر غير واقعهم، فيه احتمال ولو بسيط للفرح والسرور ومقاسمة نشوة الفوز ولو معنويا مع من يشاركونهم نفس الميول، فهم يبحثون عن الترفيه والمتعة والاندماج في جماعة تشاركهم الاهتمام والشغف باللعبة.
ويميلون إلى تشجيع الفرق الأجنبية أو العالمية التي تمثل لهم نموذجا للنجاح والتفوق والجودة، ويحاولون التقليد والاستفادة منها ليس بالمعنى المادي للاستفادة لكن بالمعنى المعنوي، فهي بالنسبة لهم جرعة قوية تسبب الانتشاء في حالة الفوز، أو أمل محمس له. ويظهر هذا التشجيع في تعلقهم بالمقاهي والملاعب والشاشات التي تبث المباريات، وفي ارتدائهم للألوان والشعارات والأسماء التي ترمز إلى الفرق التي يحبونها.
المشجعون المتمثلون هم الذين يستخدمون كرة القدم كوسيلة للتمثل بقضايا وهويات وقيم تشكل اهتمامهم وتعبر عنهم حسب ما يطمحون. إنهم يبحثون عن التعبير والتأكيد والتحدي والتغيير في واقعهم المؤلم والمظلوم، وللتضامن مع القوى والحركات التي تناضل من أجل حقوقهم ومصالحهم، يعيشون معنى الوطنية أو القومية أو الطائفة بكل مشاعرهم، فيعبرون عن تعلقهم بالوطن، والقومية والقضايا التي تهمهم، ويميلون إلى تشجيع الفرق الوطنية أو الإقليمية أو الدينية أو السياسية التي تمثل لهم هويتهم وانتمائهم وقيمهم، ويحاولون الدفاع عنها والترويج لها. ويظهر هذا التشجيع في مشاركتهم في المظاهرات والاحتجاجات والتظاهرات التي ترتبط باللعبة، وفي استخدامهم للأغاني والشعارات والرسومات التي ترمز إلى القضايا والمواقف التي يؤيدونها.إنهم يستعيضون عن المعركة الحقيقية ويحولونها إلى معركة رمزية يضفون عليها كل معاني المعركة الحقيقية.
يمكن القول إن مشجعي كرة القدم في الدول المتخلفة يعطون معان مختلفة لأفعالهم، بحسب طبيعة واقعهم ومستوى وعيهم واتجاهاتهم. ويمكن أن يكون هذا التشجيع مفيدا أو ضارا، بحسب مدى توافقه أو تعارضه مع مصالحهم وحاجاتهم الحقيقية. ويمكن أن يكون هذا التشجيع فرصة أو تحدٍّ للسوسيولوجيين الذين يريدون فهم وتحليل وتفسير هذه الظاهرة الاجتماعية الشائعة والمؤثرة.
الخميس، 25 يناير 2024
كرة القدم أفيون الشعوب
في قسم
# سوسيولوجيا
الكاتب:
عزالدين عفوس = aaffousse@gmail.com.
سوسيولوجيا
Labels:
سوسيولوجيا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.